فصل: الفصل الحادي والعشرون: في العلوم الهندسية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الفصل الحادي والعشرون: في العلوم الهندسية:

هذا العلم هو النظر في المقادير إما المتصلة كالخط والسطح والجسم وإما المنفصلة كالأعداد وفيما يعرض لها من العوارض الذاتية مثل أن كل مثلث فزواياه مثل قائمتين ومثل أن كل خطين متوازيين لا يلتقيان في وجه ولو خرجا إذ غير نهاية ومثل أن كل خطين متقاطعين فالزاويتان المتقابلتان منهما متساويتان ومثل أن الأربعة مقادير المتناسبة ضرب الأول منها في الثالث كضرب الثاني في الرابع وأمثال ذلك والكتاب المترجم لليونانيين في هذه الصناعة كتاب أوقليدس ويسمى كتاب الأصول وكتاب الأركان وهو أبسط ما وضع فيها للمتعلمين وأول ما ترجم من كتاب اليونانيين في الملة أيام أبي جعفر المنصور ونسخه مختلفة باختلاف المترجمين فمنها لحنين بن إسحاق ولثابت بن قرة وليوسف بن الحجاج ويشتمل على خمس عشرة مقالة أربع في السطوح وواحدة في الأقدار المتناسبة وأخرى في نسب السطوح بعضها إلى بعض وثلاث في العدد والعاشرة في المنطقات والقوى على المنطقات ومعناه الجذور وخمس في المجسمات وقد اختصره الناس اختصارات كثيرة كما فعله ابن سينا في تعاليم الشفاء أفرد له جزءا منها اختصه به وكذلك ابن الصلت في كتاب الاقتصار وغيرهم وشرحه آخرون شروحا كثيرة وهو مبدأ العلوم الهندسية بإطلاق واعلم أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله استقامة في فكره لأن براهينها كلها بينة الانتظام جلية الترتيب لا يكاد الغلط يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع وقد زعموا أنة كان مكتوبا على باب أفلاطون: من لم يكن مهندسا فلا يدخلن منزلنا وكان شيوخنا رحمهم الله يقولون ممارسة الهندسة للفكر بمثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه الأقذار وينقيه من الأوضار والأدران وإنما ذلك لما أشرنا إليه من ترتيبه وانتظامه ومن فروع هذا الفن الهندسة المخصوصة بالأشكال الكروية والمخروطات أما الأشكال الكروية ففيها كتابان من كتب اليونانيين لثاوذوسيوس وميلاوش في سطوحها وقطوعها وكتاب ثاوذوسيوس مقدم في التعليم على كتاب ميلاوش لتوقف كثير من براهينه عليه ولابد منهما لمن يريد الخوض في علم الهيئة لأن براهينها متوقفة عليه فالكلام في الهيئة كله كلام في الكرات السماوية وما يعرض فيها من القطوع والدوائر بأسباب الحركات كما نذكره فقد يتوقف على معرفة أحكام الأشكال الكروية سطوحها وقطوعها وأما المخروطات فهو من فروع الهندسة أيضا وهو علم ينظر فيما يقع في الأجسام المخروطة من الأشكال والقطوع ويبرهن على ما يعرض لذلك من العوارض ببراهين هندسية متوقفة على التعليم الأول وفائدتها تظهر في الصنائع العملية التي موادها الأجسام مثل التجارة والبناء وكيف تصنع التماثيل الغريبة والهياكل النادرة وكيف يتخيل على جر الأثقال ونقل الهياكل بالهندام والميخال وأمثال ذلك وقد أفرد بعض المؤلفين في هذا الفن كتابا في الحيل العلمية يتضمن من الصناعات الغريبة والحيل المستظرفة كل عجيبة وربما استغلق على الفهوم لصعوبة براهينه الهندسية وهو موجود بأيدي الناس ينسبونه إلى بني شاكر والله تعالى أعلم ومن فروع الهندسة المساحة وهو فن يحتاج إليه في مسح الأرض ومعناه استخراج مقدار الأرض المعلومة بنسبة شبر أو ذراع أو غيرهما ونسبة أرض من أرض إذ قويست بمثل ذلك ويحتاج إلى ذلك في توظيف الخراج على المزارع والفدن وبساتين الغراسة وفي قسمة الحوائط والأراضي بين الشركاء والورثة وأمثال ذلك وللناس فيها موضوعات حسنة وكثيرة والله الموفق للصواب بمنه وكرمه المناظرة من فروع الهندسة وهو علم يتبين به أسباب الغلط في الإدراك البصري بمعرفة كيفية وقوعها بناء على أن إدراك البصر يكون بمخروط شعاعي رأسه نقطة الباصر وقاعدته المرئي ثم يقع الغلط كثيرا في رؤية القريب كبيرا والبعيد صغيرا وكذا رؤية الأشباح الصغيرة تحت الماء ووراء الأجسام الشفافة كبيرة ورؤية النقطة النازلة من المطر خطا مستقيما والسلقة دائرة وأمثال ذلك فيتبين في هذا العلم أسباب ذلك وكيفياته بالبراهين الهندسية ويتبين به أيضا اختلاف المنظر في القمر باختلاف العروض الذي ينبني عليه معرفة رؤية الأهلة وحصول الكسوفات وكثير من أمثال هذا وقد ألف في هذا الفن كثير من اليونانيين وأشهر من ألف فيه من الإسلاميين ابن الهيثم ولغيره أيضا تآليف وهو من هذه الرياضة وتفاريعها.